الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
الباب لغة النوع وعرفا نوع من المسائل اشتمل عليها كتاب، وليست بفصل والتيمم لغة مطلق القصد بخلاف الحج، فإنه القصد إلى معظم وشواهدهما كثيرة واصطلاحا على ما في شروح الهداية القصد إلى الصعيد الطاهر للتطهير، وعلى ما في البدائع وغيره استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين على قصد التطهير بشرائط مخصوصة وزيف الأول بأن القصد شرط لا ركن والثاني بأنه لا يشترط استعمال جزء من الأرض حتى يجوز بالحجر الأملس فالحق أنه اسم لمسح الوجه واليدين على الصعيد الطاهر والقصد شرط؛ لأنه النية وله ركن وشروط وحكم وسبب مشروعية وسبب وجوب وكيفية ودليل أما ركنه فشيئان الأول ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين والثاني استيعاب العضوين وفي الأول كلام نذكره إن شاء الله تعالى، وأما شرائطه أعني شرائط جوازه فستأتي في الكتاب مفصلة، وأما حكمه فاستباحة ما لا يحل إلا به، وأما سبب مشروعيته فما «وقع لعائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع، وهو ماء بناحية قديد بين مكة والمدينة لما أضلت عقد ها فبعث عليه السلام في طلبه فحانت الصلاة وليس معهم ماء فأغلظ أبو بكر رضي الله عنه على عائشة وقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على غير ماء فنزلت آية التيمم فجاء أسيد بن الحضير فجعل يقول ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر» رواه البخاري ومسلم وقال القرطبي: نزلت الآية في عبد الرحمن بن عوف أصابته جنابة، وهو مريض فرخص له في التيمم وقيل غير ذلك، وأما سبب وجوبه فما هو سبب وجوب أصله المتقدم، وأما كيفيته فستأتي، وأما دليله فمن الكتاب في آيتين في سورة النساء والمائدة وهما مدنيتان ومن السنة فأحاديث منها ما رواه البخاري ومسلم: «عن عمار بن ياسر قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة وفي رواية فتمعكت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه». ثم اعلم أن التيمم لم يكن مشروعا لغير هذه الأمة، وإنما شرع رخصة لنا والرخصة فيه من حيث الآلة حيث اكتفى بالصعيد الذي هو ملوث وفي محله بشطر أعضاء الوضوء كذا في المستصفى. (قوله: يتيمم لبعده ميلا عن ماء) أي يتيمم الشخص، وهذا شروع في بيان شرائطه فمنها أن لا يكون واجدا للماء قدر ما يكفي لطهارته في الصلاة التي تفوت إلى خلف وما هو من أجزائها لقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} وغير الكافي كالمعدوم، وهذا عندنا وقال الشافعي: يلزمه استعمال الموجود والتيمم للباقي؛ لأن ما نكرة في النفي فتعم وقياسا على إزالة بعض النجاسة وستر بعض العورة وكالجمع في حالة الاضطرار بين الذكية والميتة قلنا الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية فكأن التقدير فلم تجدوا ماء محللا للصلاة، فإن وجود الماء النجس لا يمنعه من التيمم إجماعا وباستعمال القليل لم يثبت شيء من الحل يقينا على الكمال، فإن الحل حكم والعلة غسل الأعضاء كلها وشيء من الحكم لا يثبت ببعض العلة كبعض النصاب في حق الزكاة وكبعض الرقبة في حق الكفارة والقياس على الحقيقية والعورة فاسد؛ لأنهما يتجزآن فيفيد إلزامه باستعمال القليل للتقليل ولا يفيد هنا إذ لا يتجزأ هنا بل الحدث قائم ما بقي أدنى لمعة فيبقى مجرد إضاعة مال خصوصا في موضع عزته مع بقاء الحدث كما هو، وأما الجمع حالة الاضطرار؛ فلأن الذكية لما لم تدفع الاضطرار صارت كالعدم كذا ذكر في كثير من الشروح لكن في الخلاصة ولو وجد من الماء قدر ما يغسل به بعض النجاسة الحقيقية أو وجد من الثوب قدر ما يستر بعض العورة لا يلزمه ا هـ. ولو وجد ماء يكفي للحدث أو إزالة النجاسة المانعة غسل به الثوب منها وتيمم للحدث عند عامة العلماء، وإن توضأ به وصلى في النجس أجزأه، وكان مسيئا كذا في الخانية وفي المحيط ولو تيمم أولا ثم غسل النجاسة يعيد التيمم؛ لأنه تيمم، وهو قادر على ما يتوضأ به ا هـ. وفيه نظر بل الظاهر الحكم بجواز التيمم تقدم على غسل الثوب أو تأخر؛ لأنه مستحق الصرف إلى الثوب على ما قالوا والمستحق الصرف إلى جهة معدوم حكما بالنسبة إلى غيرها كما في مسألة اللمعة مع الحدث قبل التيمم له إذا كان الماء كافيا لأحدهما فبدأ بالتيمم للحدث قبل غسلها كما هو رواية الأصل وكالماء المستحق للعطش ونحوه نعم يتمشى ذلك على رواية الزيادات القائلة بأنه لو تيمم قبل غسل اللمعة لا يصح والله سبحانه أعلم. ولهذا قال في شرح الوقاية ثم إنما ثبتت القدرة إذا لم يكن مصروفا إلى جهة أهم أصاب بدن المتيمم قذر فصلى ولم يمسحه جاز؛ لأن المسح لا يزيل النجاسة والمستحب أن يمسح تقليلا للنجاسة. ا هـ. ثم العدم على نوعين: عدم من حيث الصورة والمعنى وعدم من حيث المعنى لا من حيث الصورة فالأول أن يكون بعيدا عنه قال في البدائع ولم يذكر حد البعد في ظاهر الروايات فعن محمد التقدير بالميل، فإن تحقق كونه ميلا جاز له التيمم، وإن تحقق كونه أقل أو ظن أنه ميل أو أقل لا يجوز قال في الهداية: والميل هو المختار في المقدار؛ لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر والماء معدوم حقيقة والميل في كلام العرب منتهى مد البصر وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال؛ لأنها بنيت على مقادير منتهى البصر كذا في الصحاح والمغرب والمراد هنا ثلث الفرسخ والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة كل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربع وعشرون أصبعا كذا في الينابيع وعن الكرخي رحمه الله أنه إن كان في موضع يسمع صوت أهل الماء فهو قريب، وإن كان لا يسمع فهو بعيد، وبه أخذ أكثر مشايخنا كذا في الخانية، وعن أبي يوسف إذا كان بحيث لو ذهب إليه وتوضأ تذهب القافلة وتغيب عن بصره فهو بعيد ويجوز له التيمم واستحسن المشايخ هذه الرواية كذا في التجنيس وغيره إلا أن ظاهره أنه في حق المسافر لا المقيم، وهو جائز لهما، ولو في المصر؛ لأن الشرط هو العدم فأينما تحقق جاز التيمم نص عليه في الأسرار لكن قال في شرح الطحاوي لا يجوز التيمم في المصر إلا لخوف فوت جنازة أو صلاة عيد أو للجنب الخائف من البرد وكذا ذكر التمرتاشي بناء على كونه نادرا والحق الأول لما ذكرنا والمنع بناء على عادة الأمصار فليس خلافا حقيقيا وتصحيح الزيلعي لا يفسده وفي الخانية قليل السفر وكثيره سواء في التيمم والصلاة على الدابة خارج المصر إنما الفرق بين القليل والكثير في ثلاثة في قصر الصلاة والإفطار والمسح على الخفين ا هـ وفي المحيط المسافر يطأ جاريته، وإن علم أنه لا يجد الماء؛ لأن التراب شرع طهورا حالة عدم الماء ولا تكره الجنابة حال وجود الماء فكذا حال عدمه ا هـ. وبما قررناه علم أن المعتبر المسافة دون خوف فوت الوقت خلافا لزفر وفي المبتغى بالغين المعجمة ومن كان في كلة جاز تيممه لخوف البق أو مطر وحر شديد إن خاف فوت الوقت ا هـ. ولا يخفى أن هذا مناسب لقول زفر لا لقول أئمتنا، فإنهم لا يعتبرون خوف الفوت، وإنما العبرة للبعد كما قدمناه كذا في شرح منية المصلي لكن ظفرت بأن التيمم لخوف فوت الوقت رواية عن مشايخنا ذكرها في القنية في مسائل من ابتلي ببليتين ويتفرع على هذا الاختلاف ما لو ازدحم جمع على بئر لا يمكن الاستقاء منها إلا بالمناوبة لضيق الموقف أو لاتحاد الآلة للاستقاء ونحو ذلك، فإن كان يتوقع وصول النوبة إليه قبل خروج الوقت لم يجز له التيمم بالاتفاق وإن علم أنها لا تصير إليه إلا بعد خروج الوقت يصبر عندنا ليتوضأ بعد الوقت، وعند زفر يتيمم ولو كان جمع من العراة وليس معهم إلا ثوب يتناوبونه وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت، فإنه يصبر ولا يصلي عاريا ولو اجتمعوا في سفينة أو بيت ضيق وليس هناك موضع يسع أن يصلي قائما فقط لا يصلي قاعدا بل تصبر ويصلي قائما بعد الوقت كما لو كان مريضا عاجزا عن القيام واستعمال الماء في الوقت ويغلب على ظنه القدرة بعده وكذا لو كان معه ثوب نجس ومعه ماء يغسله ولكن لو غسله خرج الوقت لزم غسله، وإن خرج الوقت كذا في التوشيح وأما العدم معنى لا صورة فهو أن يعجز عن استعمال الماء لمانع مع قرب الماء منه وسيأتي بيانه مفصلا. (قوله: أو لمرض) يعني يجوز التيمم للمرض وأطلقه، وهو مقيد بما ذكره في الكافي من قوله بأن يخاف اشتداد مرضه لو استعمل الماء فعلم أن اليسير منه لا يبيح التيمم، وهو قول جمهور العلماء إلا ما حكاه النووي عن بعض المالكية، وهو مردود بأنه رخصة أبيحت للضرورة ودفع الحرج، وهو إنما يتحقق عند خوف الاشتداد والامتداد ولا فرق عندنا بين أن يشتد بالتحرك كالمبطون أو بالاستعمال كالجدري أو كأن لا يجد من يوضئه ولا يقدر بنفسه اتفاقا، وإن وجد خادما كعبده وولده وأجيره لا يجزيه التيمم اتفاقا كما نقله في المحيط، وإن وجد غير خادمه من لو استعان به أعانه ولو زوجته فظاهر المذهب أنه لا يتيمم من غير خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه كما يفيده كلام المبسوط والبدائع وغيرهما ونقل في التجنيس عن شيخه خلافا بين أبي حنيفة وصاحبيه على قوله يجزئه التيمم وعلى قولهما لا قال وعلى هذا الخلاف إذا كان مريضا لا يقدر على الاستقبال أو كان في فراشه نجاسة ولا يقدر على التحول منه ووجد من يحوله ويوجهه لا يفترض عليه ذلك عنده وعلى هذا الأعمى إذا وجد قائدا لا تلزمه الجمعة والحج والخلاف فيهما معروف فالحاصل أن عنده لا يعتبر المكلف قادر بقدرة غيره؛ لأن الإنسان إنما يعد قادرا إذا اختصر بحالة يتهيأ له الفعل متى أراد، وهذا لا يتحقق بقدرة غيره؛ ولهذا قلنا إذا بذل الابن المال والطاعة لأبيه لا يلزمه الحج، وكذا من وجبت عليه الكفارة، وهو معدم فبذل له إنسان المال لما قلنا وعندهما تثبت القدرة بآلة الغير؛ لأن آلة الغير صارت كآلته بالإعانة، وكان حسام الدين رحمه الله يختار قولهما والفرق على ظاهر المذهب بين مسألة التيمم وبين المريض إذا لم يقدر على الصلاة، ومعه قوم لو استعان بهم في الإقامة والثبات جاز له الصلاة قاعدا أنه يخاف على المريض زيادة الوجع في قيامه، ولا يلحقه زيادة الوجع في الوضوء ا هـ. ما في التجنيس وظاهره أنه لو لم يكن له أجير لكن معه ما يستأجر به أجيرا لا يجزئه التيمم قل الأجر أو كثر، فإنه قال أو عنده من المال مقدار ما يستأجر به أجيرا والفرق بين الزوجة والمملوك أن المنكوحة إذا مرضت لا يجب عليه أن يوضئها وأن يتعاهدها، وفي العبد والجارية يجب عليه إذا لم يستطع الوضوء كذا في الخلاصة يعني أن السيد لما كان عليه تعاهد العبد في مرضه كان على عبده أن يتعاهده في مرضه والزوجة لما لم يكن عليه أن يتعاهدها في مرضها فيما يتعلق بالصلاة لا يجب عليها ذلك إذا مرض فلا يعد قادرا بفعلها وفي المبتغى مريض إذا لم يكن عنده أحد يوضئه إلا بأجر جاز له التيمم عند أبي حنيفة قل الأجر أو كثر وقالا لا يتيمم إذا كان الأجر ربع درهم ا هـ. والظاهر عدم الجواز إذا كان قليلا لا إذا كان كثيرا لما عرف من مسألة شراء الماء إذا وجده بثمن المثل على ما نبينه إن شاء الله تعالى وبقولنا قال مالك وأحمد والشافعي في الأصح كما نقله النووي لإطلاق قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى} والمراد من الوجود في الآية القدرة قال العلامة الكردري الفاء في قوله تعالى: {فلم تجدوا} للعطف على الشرط وفي : {فتيمموا} لجواب الشرط وفي : {فامسحوا} لتفسير التيمم، وهذا إذا قدر المريض على التيمم أما إذا لم يقدر عليه أيضا ولا عنده من يستعين به، فإنه لا يصلي عندهما قال الشيخ الإمام أبو بكر رأيت في الجامع الصغير للكرخي أن مقطوع اليدين والرجلين إذا كان بوجهه جراحة يصلي بغير طهارة ولا يتيمم ولا يعيد، وهذا هو الأصح كذا في فتاوى الظهيرية ذكره مسكين وسيأتي بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (قوله: أو برد) أي إن خاف الجنب أو المحدث إن اغتسل أو توضأ أن يقتله البرد أو يمرضه تيمم سواء كان خارج المصر أو فيه وعندهما لا يتيمم فيه كذا في الكافي وجوازه للمحدث قول بعض المشايخ والصحيح أنه لا يجوز له التيمم كذا في فتاوى قاضي خان والخلاصة وغيرهما وذكر المصنف في المستصفى أنه بالإجماع على الأصح قال في فتح القدير: وكأنه والله أعلم لعدم اعتبار ذلك الخوف بناء على أنه مجرد وهم إذ لا يتحقق في الوضوء عادة ا هـ. ثم اعلم أن جوازه للجنب عند أبي حنيفة مشروط بأن لا يقدر على تسخين الماء ولا على أجرة الحمام في المصر ولا يجد ثوبا يتدفأ فيه، ولا مكانا يأويه كما أفاده في البدائع وشرح الجامع الصغير لقاضي خان، فصار الأصل أنه متى قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم إجماعا وقالا لا يجوز التيمم للبرد في المصر، وقد اختلف المشايخ فمنهم من جعل الخلاف بينهم في هذه نشأ عن اختلاف زمان لا برهان بناء على أن أجر الحمام في زمانهما يؤخذ بعد الدخول، فإذا عجز عن الثمن دخل ثم تعلل بالعسرة، وفي زمانه قبله فيعذر، ومنهم من جعله برهانيا بناء على الخلاف في جواز التيمم لغير الواجد قبل الطلب من رفيقه إذا كان له رفيق فعلى هذا يقيد منعهما بأن يترك طلب الماء الحار من جميع أهل المصر أما إذا طلب فمنع، فإنه يجوز عندهما والظاهر قوله؛ لأنه لا يكلف الطهارة بالماء إلا إذا قدر عليه بالملك أو الشراء وعند انتفاء هذه القدرة يتحقق العجز؛ ولهذا لم يفصل العلماء فيما إذا لم يكن معه ثمن الماء بين إمكان أخذه بثمن مؤجل بالحيلة على ذلك أو لا بل أطلقوا جواز التيمم إذ ذاك فما أطلقه بعض المشايخ من عدم جواز التيمم في هذا الزمان بناء على أن أجر الحمام يؤخذ بعد الدخول فيتعلل بالعسرة بعده فيه نظر كذا في فتح القدير ولا شك في هذا فيما يظهر؛ لأنه تغرير لم يأذن الشرع فيه، ومن ادعى إباحته فضلا عن تعيينه، فعليه البيان ولا يخفى أن مراد المحقق في فتح القدير من قوله ليس معه مال أنه لا مال له غائب أيضا فحينئذ لا يلزمه الشراء بالنسيئة أما إذا لم يكن معه مال، وله مال غائب، فإنه يلزمه الشراء بالنسيئة كما أشار إليه شارح منية المصلي تلميذ المحقق وفي المبتغى بالغين المعجمة أجير لا يجد الماء إن علم أنه يجده في نصف ميل لا يعذر في التيمم، وإن لم يأذن له المستأجر يتيمم ويصلي ثم يعيد ولو صلى صلاة أخرى، وهو يذكر هذه تفسد ا هـ. (قوله: أو خوف عدو أو سبع أو عطش أو فقد آلة) يعني يجوز التيمم لهذه الأعذار؛ لأن الماء معدوم معنى لا صورة أما إذا كان بينه وبين الماء عدو آدميا أو غيره يخاف على نفسه إذا أتاه؛ فلأن إلقاء النفس في التهلكة حرام فيتحقق العجز عن استعمال الماء وسواء خاف على نفسه أو ماله كذا في العناية وفي المبتغى ولو كان عنده أمانة يخاف عليها إن ذهب إلى الماء يتيمم وفي التوشيح إذا خافت المرأة على نفسها بأن كان الماء عند فاسق أو خاف المديون المفلس من الحبس بأن كان صاحب الدين عند الماء وفي الخلاصة وفتاوى قاضي خان وغيرهما الأسير في يد العدو إذا منعه الكافر عن الوضوء والصلاة يتيمم ويصلي بالإيماء ثم يعيد إذا خرج وكذا لو قال لعبده إن توضأت حبستك أو قتلتك، فإنه يصلي بالتيمم ثم يعيد كالمحبوس؛ لأن طهارة التيمم لم تظهر في منع وجوب الإعادة وفي التجنيس رجل أراد أن يتوضأ فمنعه إنسان عن أن يتوضأ بوعيد قيل ينبغي أن يتيمم ويصلي ثم يعيد الصلاة بعد ما زال عنه؛ لأن هذا عذر جاء من قبل العباد فلا يسقط فرض الوضوء عنه ا هـ. فعلم منه أن العذر إن كان من قبل الله تعالى لا تجب الإعادة وإن كان من قبل العبد وجبت الإعادة ثم وقع الاختلاف في الخوف من العدو هل هو من الله فلا تجب الإعادة أو هو بسبب العبد فتجب الإعادة ذهب صاحب معراج الدراية إلى الأول وذهب صاحب النهاية إلى الثاني والذي يظهر ترجيح ما في النهاية لما نقلناه من مسألة منع السيد عبده بوعيد من الحبس أو القتل، فإنه ليس فيه إلا الخوف لا المنع الحسي وكذا ظاهر ما نقلناه عن التجنيس كما لا يخفى لكن قد يقال لا مخالفة بين ما في النهاية والدراية، فإن ما في النهاية محمول على ما إذا حصل وعيد من العبد نشأ منه الخوف فكان هذا من قبل العباد وما في الدراية محمول على ما إذا لم يحصل وعيد من العبد أصلا بل حصل خوف منه فكان هذا من قبل الله تعالى إذا لم يتقدمه وعيد بدليل أن صاحب الدراية ذكر مسألة الخوف في الأسير بدار الحرب وبه يندفع ما ذكره في فتح القدير من أن صاحب الدراية نص على مخالفة ما في النهاية كما لا يخفى ثم بعد هذا رأيت العلامة ابن أمير حاج صرح بما فهمته فقال وتحرر أن المراد بالخوف من العدو الخوف الذي لم ينشأ عن وعيد من قادر عليه ونحو ذلك كما في الخوف من السبع ولا بأس بأن يكون مرادهم ذلك، وإنما نسب هذا الخوف إلى الله تعالى في هذه الصورة مع أن فيها وفي غيرها منه تعالى أيضا خلقا وإرادة لتجرده في هذه الصورة عن مباشرة سبب له من الغير في حق الخائف وفي المحيط ولو حبس في السفر تيمم وصلى أو لا يعيد؛ لأنه انضم عذر السفر إلى العذر الحقيقي والغالب في السفر عدم الماء فتحقق العدم من كل وجه ا هـ. وأما الماء المحتاج إليه للعطش، فإنه مشغول بحاجته والمشغول بالحاجة كالمعدوم وعطش رفيقه ودابته وكلبه لماشيته أو صيده في الحال أو ثاني الحال كعطشه وسواء كان المحتاج إليه للعطش رفيقه المخالط له أو آخر من أهل القافلة، فإن امتنع صاحب الماء من ذلك، وهو غير محتاج إليه للعطش وهناك مضطر إليه للعطش كان له أخذه منه قهرا وله أن يقاتله، فإن قتل أحدهما صاحبه إن كان المقتول صاحب الماء فدمه هدر ولا قصاص فيه ولا دية ولا كفارة، وإن كان المضطر فهو مضمون بالقصاص أو الدية والكفارة، وإن كان صاحب الماء محتاجا إليه للعطش فهو أولى به من غيره، فإن احتاج إليه الأجنبي للوضوء، وكان مستغنيا عنه لم يلزمه بذله، ولا يجوز للأجنبي أخذه منه قهرا كذا في السراج الوهاج وكذا الماء المحتاج إليه للعجين لما قلنا، وإن كان يحتاج إليه لاتخاذ المرقة لا يتيمم؛ لأن حاجة الطبخ دون حاجة العطش وأما جوازه بفقد الآلة فلتحقق العجز؛ لأنه إذا لم يجدد لوا يستقي به فوجود البئر وعدمها سواء ويشترط أن لا يمكنه إيصال ثوبه إليه أما إذا أمكنه إيصال ثوبه ويخرج الماء قليلا بالبلل لا يجوز له التيمم كذا في السراج الوهاج وفي الخلاصة ولو كان معه منديل طاهر لا يجزئه التيمم، وهذا يوافق فروعا ذكرها الشافعية، وهي أنه لو وجد بئرا فيها ماء ولا يمكنه النزول إليه وليس معه ما يدليه إلا ثوبه أو عمامته لزمه إدلاؤه ثم يعصره إن لم تنقص قيمة الثوب أكثر من ثمن الماء، فإن زاد النقص على ثمن الماء تيمم ولا إعادة عليه وإن قدر على استئجار من ينزل إليها بأجرة المثل لزمه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة، ولو كان معه ثوب إن شقه نصفين وصل إلى الماء، وإلا لم يصل، فإن كان نقصه بالشق لا يزيد على ثمن الماء وثمن آلة الاستقاء لزمه شقه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة، وهذا كله موافق لقواعدنا كذا في التوشيح والأصل أنه متى أمكنه استعمال الماء بوجه من الوجوه من غير لحوق ضرر في نفسه أو ماله وجب عليه استعماله، وما زاد على ثمن المثل ضرر فلا يلزمه بخلاف ثمن المثل، وفي المبتغى بالغين المعجمة وبوجود آلة التقوير في نهر جامد تحته ماء لا يتيمم وقيل يتيمم وفي سفره جمد أو ثلج ومعه آلة الذوب لا يتيمم وقيل يتيمم ا هـ. والظاهر الأول منهما كما لا يخفى وفي المحيط الماء الموضوع في الفلاة في الحب ونحوه لا يمنع جواز التيمم؛ لأنه لم يوضع للوضوء غالبا، وإنما وضع للشرب إلا أن يكون الماء كثيرا فيستدل بكثرته على أنه وضع للشرب والوضوء جميعا ا هـ. وكذا في التجنيس وفتاوى الولوالجي وقاضي خان والحب بضم الحاء الخابية وعن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل أن الموضوع للشرب يجوز التوضؤ منه والموضوع للوضوء لا يباح منه الشرب وفي الخلاصة وغيرها ثلاثة نفر في السفر جنب وحائض طهرت من الحيض وميت ومعهم من الماء قدر ما يكفي لأحدهم إن كان الماء لأحدهم فهو أحق، وإن كان الماء لهم لا ينبغي لأحدهم أن يغتسل، وإن كان الماء مباحا فالجنب أحق فتتيمم المرأة وييمم الميت ولو كان مكان الحائض محدث يصرف إلى الجنب ا هـ. وفي الظهيرية قال عامة المشايخ الميت أولى وقيل الجنب أولى، وهو الأصح ا هـ. وفي المحيط وينبغي أن يصرفا نصيبهما إلى غسل الميت ويتيمما فيما إذا كان مشتركا وفي التجنيس رجل كان في البادية وليس معه إلا قمقمة من ماء زمزم في رحله وقد رصص رأسه لا يجوز له التيمم إذا كان لا يخاف على نفسه العطش؛ لأنه واجد للماء وكثيرا ما يبتلى به الحاج الجاهل ويظن أنه يجزئه والحيلة فيه أن يهبه من غيره ثم يستودع منه الماء ا هـ. قال قاضي خان في فتاويه إلا أن هذا ليس بصحيح عندي، فإنه لو رأى مع غيره ماء يبيعه بمثل الثمن أو بغبن يسير يلزمه الشراء ولا يجوز له التيمم، فإذا تمكن من الرجوع في الهبة كيف يجوز له التيمم ا هـ. ودفعه في فتح القدير بأنه يمكن أن يفرق بأن الرجوع تملك بسبب مكروه، وهو مطلوب العدم شرعا فيجوز أن يعتبر الماء معدوما في حقه كذلك، وإن قدر عليه حقيقة كماء الحب بخلاف البيع ا هـ. وقيل الحيلة فيه أن يخلطه بماء الورد حتى يغاب عليه فلا يبقى طهورا كذا في التوشيح والمحبوس الذي لا يجد طهورا لا يصلي عندهما وعند أبي يوسف يصلي بالإيماء ثم يعيد، وهو رواية عن محمد تشبها بالمصلين قضاء لحق الوقت كما في الصوم ولهما أنه ليس بأهل للأداء لمكان الحدث فلا يلزمه التشبه كالحائض وبهذه المسألة تبين أن الصلاة بغير طهارة متعمدا ليس بكفر، فإنه لو كان كفرا لما أمر أبو يوسف به وقيل كفر كالصلاة إلى غير القبلة أو مع الثوب النجس عمدا؛ لأنه كالمستخف والأصح أنه لو صلى إلى غير القبلة أو مع الثوب النجس لا يكفر؛ لأن ذلك يجوز أداؤه بحال ولو صلى بغير طهارة متعمدا يكفر؛ لأن ذلك يحرم بكل حال فإذا صلى بغير طهارة متعمدا فقد تهاون واستخف بأمر الشرع فيكفر كذا في المحيط وقد قدمنا عن الفتاوى الظهيرية أن مقطوع اليدين والرجلين إذا كان بوجهه جراحة يصلي بغير طهارة ولا يتيمم ولا يعيد، وهذا هو الأصح فكانت الصلاة بغير طهارة نظير الصلاة إلى غير القبلة أو مع الثوب النجس فينبغي التسوية بينهما في الحكم، وهو عدم التكفير كما لا يخفى. (قوله: مستوعبا وجهه ويديه مع مرفقيه) أي يتيمم تيمما مستوعبا فهو صفة لمصدر محذوف وجوز الزيلعي أن يكون حالا من الضمير الذي في تيمم فيكون حالا منتظرة قال والأول أوجه ولم يبين وجهه ولعل وجهه أن الاستيعاب فيه ركن لا يتحقق التيمم إلا به، وعلى جعله حالا يصير شرطا خارجا عن ماهيته؛ لأن الأحوال شروط على ما عرف. اعلم أن الاستيعاب فرض لازم في ظاهر الرواية عن أصحابنا حتى لو ترك شيئا قليلا من مواضع التيمم لا يجوز ونص غير واحد على أن هذا هو الصحيح منهم قاضي خان ونص صاحب المجمع وصاحب الاختيار على أنه الأصح وصاحب الخلاصة والولوالجي على أنه المختار وشارح الوقاية أن عليه الفتوى وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الأكثر يقوم مقام الكل لوجه غير لازم، وهو إما لكثرة البلوى أو؛ لأنه مسح فلا يجب فيه الاستيعاب كمسح الرأس وفي تفصيل عقد الفوائد بتكميل قيد الشرائد معزيا إلى الخلاصة أن المتروك لو كان أقل من الربع يجزئه، وهو الأصح والظاهر أن ليس المراد بها خلاصة الفتاوى المشهورة، فإن فيها أن المختار افتراض الاستيعاب ووجه ظاهر الرواية أن الأمر بالمسح في باب التيمم تعلق باسم الوجه واليدين وأنه يعم الكل؛ ولأن التيمم بدل بعد الوضوء والاستيعاب في الأصل من تمام الركن فكذا في البدل فيلزمه تخليل الأصابع ونزع الخاتم أو تحريكه ولو ترك لم يجز و على رواية الحسن لا يلزمه ويمسح المرفقين مع الذراعين عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر حتى لو كان مقطوع اليدين من المرفقين يمسح موضع القطع عندنا خلافا لزفر والكلام فيه كالكلام في الوضوء وقدر كذا في البدائع وفي المحيط وإن كان القطع فوق المرفق لا يجب المسح يعني اتفاقا ويمسح تحت الحاجبين وفوق العينين وفي فتح القدير معزيا إلى الحلية تبعا للدراية يمسح من وجهه ظاهر البشرة والشعر على الصحيح ا هـ. لكن في السراج الوهاج لا يجب عليه مسح اللحية في التيمم ولا مسح الجبيرة ولو مسح بإحدى يديه وجهه وبالأخرى يديه أجزأه في الوجه واليد الأولى ويعيد الضرب لليد الأخرى ا هـ. وفي تعبيره بالواو في قوله ويديه دون ثم إشارة إلى أن الترتيب ليس بشرط فيه كأصله ويشترط المسح بجميع اليد أو بأكثرها حتى لو مسح بأصبع واحدة أو إصبعين لا يجوز ولو كرر المسح حتى استوعب بخلاف مسح الرأس كذا في السراج الوهاج معزيا إلى الإيضاح وفي المجتبى ومسح العذار شرط على ما حكى عن أصحابنا والناس عنه غافلون وفي المحيط عن محمد في رجل يرى التيمم إلى الرسغ والوتر ركعة ثم رأى التيمم إلى المرفق والوتر ثلاثا لا يعيد ما صلى؛ لأنه مجتهد فيه، وإن فعل ذلك من غير أن يسأل أحدا ثم سأل فأمر بثلاث يعيد ما صلى؛ لأنه غير مجتهد ا هـ. وفي معراج الدراية ولو أمر غيره أن ييممه ونوى هو جاز وقال ابن القاضي لا يجزئه ا هـ والناوي هو الآمر كما لا يخفى وفي شرح المجمع، وأما استيعاب الوجه في التيمم فليس مستفادا من الإلصاق بل؛ لأنه خلف عن الغسل فلزم الاستيعاب في الخلف حسب لزومه في الأصل. ا هـ. وقد قدمناه في مسح الرأس. (قوله: بضربتين) الباء متعلقة بتيمم أي يتيمم بضربتين وقد وقع ذكر الضرب في كثير من الكتب والمذكور في الأصل الوضع دون الضرب وفي بعض الروايات الضرب فاختلف المشايخ فيه فمنهم كالمصنف في المستصفى من قال بأنهم إنما اختاروه، وإن كان الوضع جائزا لما أن الآثار جاءت بلفظ الضرب وفي غاية البيان والمقصود من الضرب أن يدخل الغبار في خلال الأصابع تحقيقا لمعنى الاستيعاب وتعقب ما في المستصفى بأن الضرب لم يذكر في الآية ولا في سائر الآثار، وإنما جاء في بعضها ومنهم من ذهب إلى أن المقصود بذكر الضربتين الرد على ابن سيرين ومن تبعه أنه لا بد من ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين، وأما ما روي عن محمد من الاحتياج إلى ثلاث ضربات فليس افتراضا للثالثة لذاتها بل لتخليل الأصابع إذا لم يدخل الغبار بينهما، وهو خلاف النص والمقصود، وهو التخليل لا يتوقف عليه ومنهم من ذهب إلى أن الضربتين ركن للخبر الوارد التيمم ضربتان فهما من ماهية التيمم ومن ثم قال السيد أبو شجاع أنه لو أحدث بعد الضربة أعادها ولا يجزئه المسح بما في يده من التراب وصححه في الخلاصة، وهو مختار شمس الأئمة ولكن قال القاضي الإسبيجابي إن الضربة تجزئه كما في الوضوء حيث يتوضأ بذلك الماء وفرق السيد أبو شجاع بينهما بأن الشرط في الوضوء الحصول وفي التيمم التحصيل. وأجيب عنه بأن التحصيل شرط فلا ينافي الحدث كما لو أحرم مجامعا وفي فتح القدير بعد ما ذكر الخلاف وعلى هذا فما صرحوا به من أنه لو ألقت الريح الغبار على وجهه ويديه فمسح بنية التيمم أجزأه وإن لم يمسح لا يجوز يلزم فيه أما كونه قول من أخرج الضربة لا قول الكل، وأما اعتبار الضربة أعم من كونها على الأرض أو على العضو مسحا والذي يقتضيه النظر عدم اعتبار ضربة الأرض من مسمى التيمم شرعا، فإن المأمور به المسح في الكتاب ليس غير قال تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم} ويحمل قوله عليه السلام: «التيمم ضربتان» أما على إرادة الأعم من المسحتين كما قلنا أو أنه أخرج مخرج الغالب والله سبحانه أعلم ا هـ. ثم اعلم أن الشرط وجود الفعل منه أعم من أن يكون مسحا أو ضربا أو غيره فقد قال في الخلاصة ولو أدخل رأسه في موضع الغبار بنية التيمم يجوز ولو انهدم الحائط وظهر الغبار فحرك رأسه ونوى التيمم جاز والشرط وجود الفعل منه. ا هـ. وهذا يعين أن هذه الفروع مبنية على قول من أخرج الضربة من مسمى التيمم، وأما من أدخلها فلا يمكنه القول بها فيما نقلناه عن الخلاصة إذا ليس فيها ضرب أصلا لا على الأرض ولا على العضو إلا أن يقال مراده بالضرب الفعل منه أعم من كونه ضربا أو غيره، وهو بعيد كما لا يخفى وتظهر ثمرة الخلاف أيضا فيما إذا نوى بعد الضرب فمن جعله ركنا لم يعتبر النية بعده ومن لم يجعله ركنا اعتبرها بعده كذا في السراج الوهاج وفي الخلاصة ولو شلت كلا يديه يمسح وجهه وذراعيه على الحائط ا هـ. وقد قدمنا أنه لو أمر غيره بأن ييممه جاز بشرط أن ينوي الآمر فلو ضرب المأمور يده على الأرض بعد نية الآمر ثم أحدث الآمر قال في التوشيح ينبغي أن يبطل بحدث الآمر على قول أبي شجاع ا هـ. وظاهره أنه لا يبطل بحدث المأمور لما أن المأمور آلة وضربه ضرب للآمر فالعبرة للآمر؛ ولهذا اشترطنا نيته لا نية المأمور. وفي المحيط وكيفية التيمم أن يضرب يديه على الأرض ثم ينفضهما فيمسح بهما وجهه بحيث لا يبقى منه شيء، وإن قل ثم يضرب يديه ثانيا على الأرض ثم ينفضهما فيمسح بهما كفيه وذراعيه كليهما إلى المرفقين وقال مشايخنا يضرب يديه ثانيا ويمسح بأربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رءوس الأصابع إلى المرفق ثم يمسح بكفه اليسرى باطن يده اليمنى إلى الرسغ ويمر باطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى ثم يفعل باليد اليسرى كذلك، وهو الأحوط؛ لأن فيه احترازا عن استعمال المستعمل بالقدر الممكن، فإن التراب الذي على يده يصير مستعملا بالمسح حتى لو ضرب يديه مرة ومسح بهما وجهه وذراعيه لا يجوز ولا يجب مسح باطن الكف؛ لأن ضربهما على الأرض يغني عنه وفي شرح النقاية للشمني معزيا إلى الذخيرة لم يرد نص هل الضربة بباطن الكفين أو بظاهرهما والأصح أنها بظاهرهما وباطنهما ا هـ. والمراد بالواو أو إذ لا جمع بينهما كما لا يخفى، وهذا النقل عن الذخيرة مخالف لما نقله عنها ابن أمير حاج في شرح منية المصلي ولفظه تنبيه في الذخيرة لم يذكر محمد أنه يضرب على الأرض ظاهر كفيه أو باطنهما وأشار إلى أنه يضرب باطنهما، فإنه قال في الكتاب لو ترك المسح على ظاهر كفيه لا يجوز، وإنما يكون تاركا للمسح على ظاهر كفيه إذا ضرب باطن كفيه على الأرض ا هـ ثم قال قلت وبهذا يعلم أن المراد بالكف باطنها لا ظاهرها ا هـ. وهكذا في التوشيح معزيا إلى الذخيرة إلا أنه بعد أسطر ذكر ما في شرح النقاية من التصحيح. وسنن التيمم سبعة إقبال اليدين بعد وضعهما على التراب وإدبارهما ونفضهما وتفريج الأصابع والتسمية في أوله والترتيب والموالاة ذكر الأربعة الأول في المبتغى والباقية في المبسوط وبعضهم أطلق على بعض هذه الاستحباب وفي ظاهر الرواية ينفضهما مرة وعن أبي يوسف مرتين، وهذا ليس كالزيلعي باختلاف؛ لأن المقصود، وهو تناثر التراب إن حصل بمرة اكتفى بها، وإن لم يحصل ينفض مرتين كذا في البدائع ولهذا قال في الهداية وينفض يديه بقدر ما يتناثر التراب كي لا يصير مثلة ا هـ. (قوله: ولو جنبا أو حائضا) يعني يتيمم الجنب والمحدث والحائض والنفساء، وهو قول جمهور العلماء للأحاديث الواردة منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث عمر أن ابن الحصين : {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد» ومنها حديث عمار: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم وهو جنب» رواه الأئمة الستة وأما الآية، وهي قوله تعالى: {أو لامستم النساء} فقد اختلف فيها فذهب عمر وابن مسعود وابن عمر إلى حملها على المس باليد فمنعوا التيمم للجنب وذهب علي وابن عباس وعائشة إلى أنها محمولة على الجماع فجوزوه للجنب وبه أخذ أصحابنا وجمهور العلماء ترجيحا لسياق الآية؛ لأن الله تعالى بين حكم الحدث الأصغر والأكبر حال وجود الماء ثم نقل الحكم إلى التراب حال عدم الماء وذكر الحدث الأصغر بقوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} فتعين حمل الملامسة على الجماع ليكون بيانا لحكم الحدثين عند عدم الماء كما بين حكمهما عند وجوده والشافعي حمل الآية على الجماع والمس باليد فقال بإباحته للجنب ونقض الوضوء بالمس باليد والحيض والنفاس ملحقان بالجنابة؛ لأنهما في معناهما هكذا في كثير من الكتب لكن في الفتاوى الظهيرية كما نقله مسكين في شرح الكنز والشمني في شرح النقاية تفصيل في الحائض، وهي أنها إذا طهرت لعشرة أيام يجوز لها التيمم، وإن طهرت لأقل لا يجوز إلا أن الشمني نقله عنها في تيممها لصلاة الجنازة والعيد والأول في مطلق التيمم والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح بدليل ما اتفقوا على نقله في باب الحيض والرجعة أن الحائض إذا انقطع دمها لأقل من عشرة فتيممت عند عدم القدرة على الماء وصلت جاز للزوج وطؤها وهل تنقطع الرجعة بمجرد التيمم أو لا بد من الصلاة به فيه خلاف فهذا صريح في جواز التيمم لها وممن صرح به القاضي الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي. ولفظه الأصل أن المرأة إذا كانت أيامها دون العشرة فوقت اغتسالها من الحيض حتى أنها لا تخرج من الحيض ما لم تغتسل أو يمضي عليها أدنى وقت الصلاة إليها مع قدوة الاغتسال فيه، ولو تيممت، وصلت خرجت من الحيض بالاتفاق ولو تيممت ولم تصل لا ينقطع حق الرجعة في قولهما خلافا لمحمد وزفر وأجمعوا أنها لا تتزوج حتى تصلي بذلك التيمم إلى آخر ما ذكر من الفروع لكن صحح شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه أنه لا يطؤها حتى تصلي به إجماعا؛ لأن محمدا إنما جعل التيمم كالاغتسال فيما هو مبني على الاحتياط، وهو قطع الرجعة والاحتياط في الوطء تركه فليس التيمم فيه كالاغتسال كما لم يفعله في الحل للأزواج وفي المحيط جنب مر على مسجد فيه ماء يتيمم للدخول ولا يباح له إلا بالتيمم، وإن كان فيه عين صغيرة ولا يستطيع الاغتراف منه لا يغتسل فيها ويتيمم؛ لأن الاغتسال فيه يفسده ولا يخرج طاهرا فلا يكون مفيدا ولو أصابته الجنابة في المسجد قيل لا يباح له الخروج من غير تيمم اعتبارا بالدخول وقيل يباح؛ لأن في الخروج تنزيه المسجد عن النجاسة وفي الدخول تلويثه بها. ا هـ. وسيأتي في الحيض تمامه إن شاء الله تعالى. (قوله: بطاهر) متعلق بيتيمم يعني يشترط لصحة التيمم طهارة الصعيد لقوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} ولا طيب مع النجاسة حتى لو تيمم بغبار ثوب نجس لا يجوز إلا إذا وقع ذلك الغبار عليه بعد ما جف ولا بد أن تكون طهارته مقطوعا بها حتى لو تيمم بأرض قد أصابتها نجاسة فجفت وذهب أثرها لم يجز في ظاهر الرواية والفرق بين التيمم منها وجواز الصلاة عليها أن الجفاف مقلل لا مستأصل وقليلها مانع في التيمم دون الصلاة ويجوز أن يعتبر القليل مانعا في شيء دون شيء كقليلها في الماء مانع دون الثوب كذا في البدائع وسيأتي تمامه في الأنجاس إن شاء الله تعالى وظاهر كلامهم أن الأرض التي جفت نجسة في حق التيمم طاهرة في حق الصلاة والحق أنها طاهرة في حق الكل، وإنما منع التيمم منها لفقد الطهورية كالماء المستعمل طاهر غير طهور، وكان ينبغي للمصنف أن يقول بمطهر ليخرج ما ذكرنا كما عبر به في منظومة ابن وهبان وللحديث الوارد من قوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» بناء على أن الطهور بمعنى المطهر وقد تقدم الكلام فيه وفي المحيط والبدائع ولو تيمم اثنان من مكان واحد جاز؛ لأنه لم يصر مستعملا؛ لأن التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده لا بما فضل كالماء الفاضل في الإناء بعد وضوء الأول ا هـ. وهو يفيد تصور استعماله وقصره على صورة واحدة، وهي أن يمسح الذراعين بالضربة التي مسح بها وجهه ليس غير. (قوله: من جنس الأرض) يعني يتيمم بما كان من جنس الأرض قال المصنف في المستصفى: كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر أو ينطبع ويلين كالحديد فليس من جنس الأرض وما عدا ذلك فهو من جنس الأرض ا هـ. فلا يجوز التيمم بالأشجار والزجاج المتخذ من الرمل وغيره والماء المتجمد والمعادن إلا أن تكون في محالها فيجوز للتراب الذي عليها لا بها نفسها واللؤلؤ، وإن كان مسحوقا؛ لأنه متولد من حيوان في البحر والدقيق والرماد ويجوز بالحجر والتراب والرمل والسبخة المنعقدة من الأرض دون الماء والجص والنورة والكحل والزرنيخ والمغرة والكبريت والفيروزج والعقيق والبلخش والزمرد والزبرجد وفي فتح القدير عدم الجواز بالمرجان وفي غاية البيان والتوشيح والعناية والمحيط ومعراج الدراية والتبيين الجواز فكان الأول سهوا وأما الملح، فإن كان مائيا فلا يجوز به اتفاقا، وإن كان جبليا ففيه روايتان وصحح كل منهما ذكره في الخلاصة لكن الفتوى على الجواز به كذا في التجنيس ويجوز بالآجر المشوي، وهو الصحيح؛ لأنه طين مستحجر وكذا بالخزب الخالص إلا إذا كان مخلوطا بما ليس من جنس الأرض أو كان عليه صبغ ليس من جنس الأرض كذا أطلق في التجنيس والمحيط وغيرهما مع أن المسطور في فتاوى قاضي خان التراب إذا خالطه شيء ما ليس من أجزاء الأرض يعتبر فيه الغلبة، وهذا يقتضي أن يفصل في المخالط للنيء بخلاف المشوي لاحتراق ما فيه من أجزاء الأرض كذا في فتح القدير وفي فتاوى قاضي خان، وإذا احترقت الأرض بالنار إن اختلطت بالرماد يعتبر فيه الغالب إن كانت الغلبة للتراب جاز به التيمم، وإلا فلا وفي فتح القدير يجوز التيمم بالأرض المحترقة في الأصح ولم يفصل والظاهر التفصيل، وفي المحيط ولو تيمم بالذهب والفضة إن كان مسبوكا لا يجوز، وإن لم يكن مسبوكا، وكان مختلطا بالتراب والغلبة للتراب جاز ا هـ. فعلم بهذا أن ما أطلقه في فتح القدير محمول على هذا التفصيل وإذا لم يجد إلا الطين يلطخه بثوبه فإذا جف تيمم به وقيل عند أبي حنيفة يتيمم بالطين، وهو الصحيح؛ لأن الواجب عنده وضع اليد على الأرض لا استعمال جزء منه والطين من جنس الأرض إلا إذا صار مغلوبا بالماء فلا يجوز التيمم به كذا في المحيط وقيد الجواز بالطين الولوالجي في فتاويه وصاحب المبتغى بأن يخاف خروج الوقت أما قبله فلا كي لا يتلطخ وجهه فيصير بمعنى المثلة من غير ضرورة، وهو قيد حسن ينبغي حفظه وذكر الإسبيجابي ولو أن الحنطة أو الشيء الذي لا يجوز عليه التيمم إذا كان عليه التراب فضرب يده عليه وتيمم ينظر إن كان يستبين أثره بمده عليه جاز، وإن كان لا يستبين لا يجوز ا هـ. وبهذا يعلم حكم التيمم على جوخة أو بساط عليه غبار فالظاهر عدم الجواز لقلة وجود هذا الشرط في نحو الجوخة فليتنبه له والله سبحانه الموفق، وهذا كله عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يجوز إلا بالتراب، وهو قول الشافعي لما أخرجه مسلم عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال وجعلت لي الأرض مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا» وروى أحمد والبيهقي: «وجعل لي التراب طهورا» ولأبي حنيفة ومحمد قوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} والصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان أو غيره قال الزجاج لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك، وإذا كان هذا مفهومه وجب تعميمه وتعين حمل تفسير ابن عباس الصعيد بالتراب على الأغلب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»؛ لأن اللام فيها للجنس فلا يخرج شيء منها؛ لأن الأرض كلها جعلت مسجدا وما جعل مسجدا هو الذي جعل طهورا وما في الصحيحين أيضا من حديث عمار: «إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض» ولم يقل التراب وما رواه البخاري من: «أنه صلى الله عليه وسلم تيمم على الجدار» قال الطحاوي حيطان المدينة مبنية من حجارة سود من غير تراب ولو لم تثبت الطهارة بهذا التيمم لما فعله صلى الله عليه وسلم وأما رواية: «وترابها طهور» فالجمهور على خلافه وأن الثابت وتربتها ولا يراد بها التراب بل مكان تربتها ما يكون فيه من التراب والرمل وغيره من جنس الأرض ولو سلم فالاستدلال به عمل بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجة عند الجمهور وما قد يتوهم أن هذا يخصص رواية الأرض؛ لأنه فرد من أفراد العام فخطأ؛ لأن التخصيص إخراج الفرد من حكم العام، وهذا ربط حكم العام نفسه ببعض أفراده كذا في فتح القدير بمعناه ويدل له ما ذكر في البدائع أن الجمهور أنه إذ وافق خاص عاما لم يخصصه خلافا لأبي ثور كقوله: «أيما إهاب» وكقوله: في شاة ميمونة «دباغها طهورها» لنا لا تعارض فالعمل بهما واجب، فإن قيل المفهوم مخصص عند قائليه فذكرها يخرج غيرها قلنا أما على أصلنا فظاهر ومن أجاز المفهوم فبغير اللقب ا هـ. وكذا ذكر ابن الحاجب في أصوله وبهذا اندفع ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه من قبيل حمل المطلق على المقيد قال القرطبي في تفسيره: وقولهم هذا من باب المطلق والمقيد فليس كذلك، وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم كقوله تعالى: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} ا هـ. وعلى تسليم أنهما منه وقولهم إن مفهوم اللقب حجة إذا اقترن بقرينة، وهي هنا موجودة؛ لأنه لولا أن الحكم متعلق بالمذكور لم يكن لذكره فائدة قلنا إنه إنما ذكره جريا على الغالب وإشارة إلى أنه الأصل. (قوله: وإن لم يكن عليه نقع وبه بلا عجز) أي، وإن لم يكن على جنس الأرض غبار حتى لو وضع يده على حجر لا غبار عليه يجوز وقال محمد لا يجوز لظاهر قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} قلنا من للابتداء في المكان إذ لا يصح فيها ضابط التبعيضية، وهو وضع بعض موضعها والباقي بحاله إذ لو قيل فامسحوا بوجوهكم وأيديكم بعضه أفاد أن المطلوب جعل الصعيد ممسوحا والعضوين آلته، وهو منتف اتفاقا ولا يصح فيها ضابط البيانية، وهو وضع الذي موضعها مع جزء ليتم صلة الموصول كما في : {اجتنبوا الرجس من الأوثان} أي الذي هو الأوثان كذا في فتح القدير ومثله توضأت من النهر أي ابتداء الأخذ للوضوء من النهر وفي الكشاف، فإن قلت قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض قلت هو كما تقول والإذعان للحق أحق من المراء ذكره في تفسير آية النساء واختار ابن أمير حاج تلميذ المحقق ابن الهمام أنها لتبيين جنس ما تماسه الآلة التي بها يمسح العضوين على أن في الآية شيئا مقدرا طوي ذكره لدلالة الكلام عليه كما هو دأب إيجاز الحذف الذي هو باب من البلاغة التقدير والله أعلم امسحوا بوجوهكم وأيديكم مما مسه شيء من الصعيد، وهذا لا يوجب استعمال جزء من الصعيد في العضوين قطعا ا هـ. وقوله: وبه بلا عجز أي بالنقع يجوز التيمم بلا عجز عن التراب وعند أبي يوسف لا يجوز إلا عند العجز. تنبيهات تتعلق بالصعيد المذكور في الآية الأول: أن الصعيد المذكور في الآية ظرف مكان عندنا وعند الشافعي ومن يشترط التراب مفعول به بتقدير حذف الباء أي بصعيد ذكره القرطبي. الثاني: أن التيمم على التيمم ليس بقربة كذا في القنية وظاهره أنه ليس بمكروه وينبغي كراهته لكونه عبثا الثالث ذكر في الغاية أن هاهنا لطيفة، وهي أن الله تعالى خلق درة ونظر إليها فصارت ماء ثم تكاثف منه وصار ترابا وتلطف منه فصار هواء وتلطف منه فصار نارا فكان الماء أصلا ذكره المفسرون، وهو منقول عن التوراة، وإنما لم يجز التيمم بالمعدن كالحديد؛ لأنه ليس بتبع للماء وحده حتى يقوم مقامه ولا للتراب كذلك، وإنما هو مركب من العناصر الأربعة فليس له اختصاص بشيء منها حتى يقوم مقامه. (قوله: ناويا) أي يتيمم ناويا وهي من شروطه والنية والقصد الإرادة الحادثة؛ ولهذا لا يقال لله تعالى ناو ولا قاصد كذا في المستصفى وشرطها أن يكون المنوي عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة أو الطهارة أو استباحة الصلاة أو رفع الحدث أو الجنابة وما وقع في التجنيس من أن النية المشروطة في التيمم هي نية التطهير، وهو الصحيح فلا ينافيه لتضمنها نية التطهير، وإنما اكتفى بنية التطهير؛ لأن الطهارة شرعت للصلاة وشرطت لإباحتهما فكانت نيتها نية إباحة الصلاة حتى لو تيمم لتعليم الغير لا تجوز به الصلاة في الأصح كذا في معراج الدراية فلو تيمم لصلاة الجنازة أو سجدة التلاوة جاز له أن يصلي سائر الصلوات؛ لأن كلا منهما قربة مقصودة والمراد بالقربة المقصودة أن لا تجب في ضمن شيء آخر بطريق التبعية ولا ينافي هذا ما ذكر في الأصول من أن سجدة التلاوة ليست بقربة مقصودة حتى لو تلاها في وقت مكروه جاز أن يؤديها في وقت مكروه آخر بخلاف الصلاة المفروضة إذا وجبت في وقت ناقص لا تؤدى في ناقص آخر؛ لأن النفي والإثبات ليس من جهة واحدة بل من جهتين والمراد مما ذكر هنا أنها شرعت ابتداء تقربا إلى الله تعالى من غير أن تكون تبعا لغيرها بخلاف دخول المسجد ومس المصحف والمراد بما في الأصول أن هيئة السجود ليست بمقصودة لذاتها عند التلاوة بل لاشتمالها على التواضع المحقق لموافقة أهل الإسلام ومخالفة أهل الطغيان فلهذا قلنا لا يختص إقامة الواجب بهذه الهيئة بل ينوب الركوع في الصلاة على الفور منابها كذا في معراج الدراية تبعا للخبازية وصرحوا بأنه لو تيمم لدخول المسجد أو القراءة ولو من المصحف أو مسه أو زيارة القبور أو دفن الميت أو الأذان أو الإقامة أو السلام أو رده أو الإسلام لا تجوز الصلاة بذلك التيمم عند عامة المشايخ؛ لأن بعضها ليست بعبادة مقصودة والإسلام وإن كان عبادة مقصودة لكن يصح بدون الطهارة هكذا أطلقوا في قراءة القرآن المنع وفي المحيط أطلق الجواز وسوى بين صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وقراءة القرآن وفي السراج الوهاج الأصح أنه لا يجوز له أن يصلي إذا تيمم لقراءة القرآن والحق التفصيل فيها، فإن تيمم لها، وهو جنب جاز له أن يصلي به سائر الصلوات كذا في البدائع وغاية البيان ولم يفصلا في دخول المسجد بين أن يكون جنبا أو محدثا مع أن كلا منهما تبع لغيره، وهو الصلاة فالأولى أن يقال الشرط كون المنوي عبادة مقصودة أو جزأها، وهو لا يحل إلا بالطهارة فالقراءة جزء من العبادة المقصودة إلا أنه إن كان جنبا وجد الشرط الأخير، وهو عدم حل الفعل إلا بالطهارة فكمل الشرط فجازت الصلاة به، وإن كان محدثا عدم الشرط الأخير ولم تجز الصلاة به وخرج التيمم لدخول المسجد مطلقا أما إن كان للحدث فظاهر لفوات الشرطين، وأما للجنابة فهو، وإن وجد الشرط الأخير، وهو عدم الحل إلا أنه عدم الشرط الأول، وهو كونه عبادة مقصودة أو جزأها وخرج التيمم لمس المصحف مطلقا، فإنه، وإن كان لا يحل إلا بها إلا أنه ليس بعبادة مقصودة ولا يقال إن دخول المسجد عبادة، وإن لم يكن للصلاة بل للاعتكاف؛ لأنا نقول العبادة هي الاعتكاف ودخول المسجد تبع له فكانت عبادة غير مقصودة ولو تيمم لسجدة الشكر لا يصلي به المكتوبة وعند محمد يصليها بناء على أنها قربة عنده وعندهما ليست بقربة كذا في التوشيح وفي فتح القدير، فإن قلت ذكرت أن نية التيمم لرد السلام لا تصححه على ظاهر المذهب مع «أنه عليه السلام تيمم لرد السلام» على ما أسلفته في الأول، فالجواب إن قصد رد السلام بالتيمم لا يستلزم أن يكون نوى عند فعل التيمم التيمم له بل يجوز كونه نوى ما يصح معه التيمم ثم يرد السلام إذا صار طاهرا ا هـ. ولقائل أن يمنع عدم صحة التيمم للسلام كما زعمه؛ لأن المذهب أن التيمم للسلام صحيح، وإنما الكلام في جواز الصلاة به؛ ولهذا قال قاضي خان في فتاويه ولو تيمم للسلام أو لرده لا يجوز له أداء الصلاة بذلك التيمم ولم يقل لا يجوز تيممه فعلم أن جواز الصلاة به حكم آخر لا تعلق له بما فعله عليه السلام، فإنه تيمم للسلام عند فقد الماء ولا شك في صحته قال النووي في شرح مسلم: وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم، فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله ا هـ. وعلى أصولنا لا حاجة إلى هذا الحمل، فإن عندنا ما يفوت لا إلى خلف يجوز التيمم له مع وجود الماء كصلاة الجنازة ولا شك أن رد السلام منه بناء على أنه عليه السلام لا يذكر الله تعالى إلا على طهارة بل عندنا ما هو أعم من ذلك، وهو أن ما ليست الطهارة شرطا في فعله وحله، فإنه يجوز التيمم له مع وجود الماء كدخول المسجد للمحدث؛ ولهذا قال في المبتغى بالغين المعجمة ويجوز التيمم لدخول مسجد عند وجود الماء وكذا للنوم فيه ا هـ. وتجويز أن يكون النبي عليه السلام نوى معه ما يصح معه التيمم خلاف الظاهر كما لا يخفى ثم لا يخفى أن قولهم بجواز الصلاة بالتيمم لصلاة الجنازة محمول على ما إذا لم يكن واجدا للماء كما قيده في الخلاصة بالمسافر أما إذ يتيمم لها مع وجوده لخوف الفوت، فإن تيممه يبطل بفراغه منها ومما تقدم علم أن نية التيمم لا تكفي لصحته على المذهب خلافا لما في النوادر ولا اعتماد عليه بل المعتمد اشتراط نية مخصوصة هي ما قدمناه لكن لا دليل عليه؛ لأن قوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} إنما يدل على قصد الصعيد المترتب عليه المسح فلا يكون موجبا غير النية المعتبرة كذا في فتح القدير ويمكن أن يقال إن المراد قصد الصعيد لأجل الصلاة بقرينة قوله: {فلم تجدوا} ففيه الإنباء عن المشروط كما لا يخفى ولا تشترط نية التمييز بين الحدث والجنابة حتى لو تيمم الجنب يريد به الوضوء أجزأه هكذا روي عن محمد نصا كما نقله في التجنيس وذكر الجصاص أنه لا حاجة إلى نية التطهير بل لا بد من التمييز؛ لأن التيمم لهم يقع على صفة واحدة فيميز بالنية كصلوات الفرائض وليس بصحيح؛ لأن الحاجة إلى النية ليقع التيمم طهارة فإذا وقع طهارة جاز له أن يؤدي ما شاء؛ لأن الشروط يراعى وجودها لا غير ألا ترى أنه لو تيمم للعصر يجوز أداء الظهر به بخلاف الصلوات كذا في الخبازية وغيرها ولا يخفى أن قول محمد لو تيمم الجنب يريد به الوضوء معناه يريد به طهارة الوضوء لما علمت من اشتراط نية التطهير وبما تقرر علم أن ما في القنية من قوله بقي على جسد الجنب لمعة ثم أحدث وتيمم لهما جاز وينوي لهما؛ لأنه إذا نوى لأحدهما يبقى الآخر بلا نية مبني على قول أبي بكر الجصاص كما لا يخفى. (قوله: فلغا تيمم كافر لا وضوءه) يعني فلأجل اشتراط النية المخصوصة في التيمم بطل تيمم كافر ولعدم اشتراط النية في الوضوء لا يبطل وضوءه أما الأول؛ فلأن الإسلام شرط وقوع التيمم صحيحا عند عامة العلماء وروي عن أبي يوسف إذا تيمم ينوي الإسلام جاز حتى لو أسلم لا يجوز له أن يصلي بذلك التيمم عند العامة، وعلى رواية أبي يوسف يجوز فالحاصل أن تيمم الكافر غير صحيح مطلقا للصلاة والإسلام، عند أبي يوسف صحيح للإسلام لا للصلاة؛ لأنه نوى قربة مقصودة تصح منه في الحال ولنا أن الكافر ليس بأهل للنية فما يفتقر إليها لا يصح منه، وهذا؛ لأن النية تصير الفعل منتهضا مسببا للثواب ولا فعل يقع من الكافر كذلك حال الكفر؛ ولذا صححنا وضوءه لعدم افتقاره إلى النية، ولم يصححه الشافعي لما افتقر إليها عنده، وهي المسألة الثانية. (قوله: ولا تنقضه ردة) أي لا ينقض التيمم ردة لما بين أن الإسلام عندنا شرط وقوع التيمم صحيحا بين أن الإسلام ليس شرط بقائه على الصحة حتى لو تيمم المسلم ثم ارتد عن الإسلام والعياذ بالله ثم أسلم جاز له أن يصلي بذلك التيمم؛ لأن التيمم وقع طهارة صحيحة فلا يبطل بالردة؛ لأن أثرها في إبطال العبادات والتيمم ليس بعبادة عندنا لكنه طهور، وهي لا تبطل صفة الطهورية كما لا تبطل الوضوء واحتمال الحاجة باق؛ لأنه مجبور على الإسلام والثابت بيقين يبقى لوهم الفائدة في أصول الشرع إلا أنه لم ينعقد طهارة مع الكفر؛ لأن جعله طهارة للحاجة والحاجة زائلة للحال بيقين وغير الثابت بيقين لا يثبت لوهم الفائدة لما أن رجاء الإسلام منه على موجب ديانته واعتقاده منقطع والجبر على الإسلام منعدم فهو الفرق بين الابتداء والبقاء كذا قرره في البدائع وتحقيقه أن التيمم نفسه لا ينافيه الكفر، وإنما ينافي شرطه، وهو النية المشروطة في الابتداء، وقد تحققت وتحقق التيمم كذلك فالصفة الباقية بعده لو اعتبرت كنفسه لا يرفعها الكفر؛ لأن الباقي حينئذ حكما ليس هو النية بل الطهارة تنبيه مقتضى ما ذكروه أن الكافر إذا توضأ أو تيمم لا يكون مسلما به، وكذا قولهم في الإحرام أن الكافر إذا أحرم للحج ثم أسلم فجدد الإحرام يجوز يقتضي أن لا يكون مسلما بالإحرام لكن محله ما إذا لبى ولم يشهد المناسك أما إذا لبى وشهد المناسك كلها مع المسلمين، فإنه يكون مسلما كما صرح به في المحيط والأصل أن الكافر متى فعل عبادة، فإن كانت موجودة في سائر الأديان، فإنه لا يكون به مسلما كالصلاة منفردا والصوم والحج الذي ليس بكامل والصدقة ومتى فعل ما هو مختص بشريعتنا، فإن كان من الوسائل كالتيمم لا يكون به مسلما، وإن كان من المقاصد أو من الشعائر كالصلاة بجماعة والحج على الهيئة الكاملة والأذان في المسجد وقراءة القرآن، فإنه يكون به مسلما إليه أشار في المحيط وغيره من كتاب السير.
|